بعد الثوره

ثلاثون عاما.. كان شجر الصفصاف يخضر ويصفر علي الضفاف والعصافير تغني
للربيع في الحدائق والمقاهي تزدحم كل ليلة بعشاق أم كلثوم والقصبجي
والمطابع تخرج آلاف الكتب في الفن والفكر وصحفا يومية وأسبوعية تمجد
الحاكم وتخدع الرعية ومسارح تفيض بالشباب والحيوية والنهر في مده وجزره
مثل لحن عذب سعيد حزين في تحول سيريالي مع المواسم والفصول.
ثلاثون عاما وهو جزء من كل هذا يعيش فيه ولا يحس جماله الحقيقي ولا يعنيه منه إلا ما يملأ معدته كل ليلة.
بعد الثورة قالوا ان العدل قادم.. عدل لم يأتهم منذ اكثر من ثلاثين
عاما وقد استبشر خيرا بمحاكمته الطغاة الذين نظروا إلي الشعب نظرتهم
للعبيد وتجار السياسة واللصوص الذين خربوا الضمائر ودمروا الاقتصاد
واستحلوا قوت اليتامي والأرامل والفقير المحاصر بالبرد والجوع وكل ما
يحتاجه حصيرة من العشب وكسرة خبز ليتغلب علي معاناته.
بعد الثورة كان يظن ان النظام الجديد.. يحب العدل والحرية حبا جارفا
يتخلي عن طموحاته لمساعدة الفقراء والمحتاجين وهؤلاء الذين اصبحوا قادرين
علي التمرد والقسوة بعد أن أصبحت القوة هي الحق والعنف وسيلة للحصول عليه
فإذا بنظام يحشد رجاله ويجند أمواله للسيطرة علي مقاليد الحكم ومفاصل
الدولة ومؤسساتها العميقة لتنفيذ أجندة سياسية ليس علي أولوياتها هؤلاء
الذين ولدوا وكبروا في عشش الغاب والصفيح المليئة بالحمي والملاريا
والعقارب والفئران والثعابين.
هؤلاء الذين حولهم الجوع والعري والظلم والقهر إلي بلطجية متوحشين
يتصدرون صفوف المتظاهرين.. يدمرون ويحرقون ويقتلون ويروعون الآمنين لمجرد
الانتقام الأعمي ممن سلبوهم الحق في الحياة وهو ينتمي لتلك الفئة الضالة
مدفوعا بذكريات أليمة حرمته من التعليم والمسكن والعلاج وفرصة عمل تؤمن له
الحصول علي لقمة العيش مثله مثل آلاف الاطفال والشباب الذين لم يجدوا شيئا
ينتمون إليه سوي عالم التشرد والجريمة!
السياسيون يطلقون عليهم حفنة من مثيري الشغب يحركهم اصحاب المصالح
الذين يخططون بتفان واخلاص منقطع النظير لعودة النظام السابق بينما الواقع
يقول انهم ضحايا دستور يفتقد بنود حماية حقوق الإنسان والدفاع عن كرامته
وآدميته ودستور غابت في أوراقه قيم الحب والرحمة والتكافل والتعاطف
الإنساني فهذا الذي أصبح بلطجيا في غفلة من الزمن كان ذات يوم بعيد طفلاً
عادياً يحلم ببيت واسرة ومدرسة وجامعة ووظيفة لم يخطط ليصبح بلطجيا مطاردا
وقد حددوا ثمنا لرأسه إنما وجد نفسه مضطرا لأن يتحالف مع الشيطان كي يعيش
فمازال يذكر ذلك اليوم المشئوم.. يوم عاد من سوق المدينة ولم يجد بيته ولا
أهله.. دفنوا جميعا تحت صخرة الدويقة التي اغتالت البيوت والبشر والشجر في
لحظة خاطفة كالبرق.
من يومها وكل يوم وقبل ان يرقد في فراشه الحقير العفن يخرج من تحت
وسادته صورة عائلية قديمة.. أبوه وأمه وإخوته وكلهم لقوا حتفهم تحت صخرة
الدويقة ثم يحتضنهم ويستسلم للبكاء بأعلي ما يستطيع صوته الحزين من رئتيه
اللتين افترسهما المرض بفعل المخدر اللعين.
حرام وظلم وامتهان لحقوق الإنسان الزج بأحمد ورفاقه من أطفال الشوارع
إلي السجون بتهمة البلطجة وتكدير الأمن والسلم العام وحرام بما يتنافي مع
الشرائع السماوية والأديان اتهامهم بالقسوة والغباء.

الأحد	الإثنين	الثلاثاء	الأربعاء	الخميس	الجمعة	السبت
			1	2	3	4
5	6	7	8	9	10	11
12	13	14	15	16	17	18
19	20	21	22	23	24	25
26	27	28	29	30	31

بعد الثوره

بعد الثوره

بعد الثوره :: تعاليق